سورة يوسف - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


{الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)}
وقد ذكرنا في أول سورة يونس تفسير: {الر تِلْكَ ءايات الكتاب الحكيم} [يونس: 1] فقوله: {تِلْكَ} إشارة إلى آيات هذه السورة أي تلك الآيات التي أنزلت إليك في هذه السورة المسماة {الر} هي {الكتاب المبين إِنَّا} وهو القرآن، وإنما وصف القررن بكونه مبيناً لوجوه:
الأول: أن القرآن معجزة قاهرة وآية بينة لمحمد صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أنه بين فيه الهدى والرشد، والحلال والحرام، ولما بينت هذه الأشياء فيه كان الكتاب مبيناً لهذه الأشياء.
الثالث: أنه بينت فيه قصص الأولين وشرحت فيه أحوال المتقدمين.
ثم قال: {إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون} وفيه مسائل:
المسألة الأولى: روي أن علماء اليهود قالوا لكبراء المشركين، سلوا محمداً لم انتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر، وعن كيفية قصة يوسف، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وذكر فيها أنه تعالى عبر عن هذه القصة بألفاظ عربية، ليتمكنوا من فهمها ويقدروا على تحصيل المعرفة بها. والتقدير: إنا أنزلنا هذا الكتاب الذي فيه قصة يوسف في حال كونه قرآناً عربياً، وسمى بعض القرآن قرآناً، لأن القرآن اسم جنس يقع على الكل والبعض.
المسألة الثانية: احتج الجبائي بهذه الآية على كون القرآن مخلوقاً من ثلاثة أوجه: الأول: أن قوله: {إنا أنزلناه} يدل عليه، فإن القديم لا يجوز تنزيله وإنزاله وتحويله من حال إلى حال.
الثاني: أنه تعالى وصفه بكونه عربياً والقديم لا يكون عربياً ولا فارسياً.
الثالث: أنه لما قال: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْانًا عَرَبِيّا} دل على أنه تعالى كان قادراً على أن ينزله لا عربياً، وذلك يدل على حدوثه.
الرابع: أن قوله: {تِلْكَ ءايات الكتاب} يدل على أنه مركب من الآيات والكلمات، وكل ما كان مركباً كان محدثاً.
والجواب عن هذه الوجوه بأسرها أن نقول: إنها تدل على أن المركب من الحروف والكلمات والألفاظ والعبارات محدث وذلك لا نزاع فيه، إنما الذي ندعي قدمه شيء آخر فسقط هذا الاستدلال.
المسأل الثالثة: احتج الجبائي بقوله: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} فقال: كلمة لعل يجب حملها على الجزم والتقدير: إنا أنزلناه قرآناً عربياً لتعقلوا معانيه في أمر الدين، إذ لا يجوز أن يراد بلعلكم تعقلون؟ الشك لأنه على الله محال، فثبت أن المراد أنه أنزله لإرادة أن يعرفوا دلائله، وذلك يدل على أنه تعالى أراد من كل العباد أن يعقلوا توحيده وأمر دينه، من عرف منهم، ومن لم يعرف، بخلاف قول المجبرة.
والجواب: هب أن الأمر ما ذكرتم إلا أنه يدل على أنه تعالى أنزل هذه السورة، وأراد منهم معرفة كيفية هذه القصة ولكن لم قلتم إنها تدل على أنه تعالى أراد من الكل الإيمان والعمل الصالح.


{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)}
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: روى سعيد بن جبير أنه تعالى لما أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يتلوه على قومه، فقالوا يا رسول الله لو قصصت علينا فنزلت هذه السورة فتلاها عليهم فقالوا لو حدثتنا فنزل: {الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث كتابا} [الزمر: 23] فقالوا لو ذكرتنا فنزل: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله} [الحديد: 16].
المسألة الثانية: القصص اتباع الخبر بعضه بعضاً وأصله في اللغة المتابعة قال تعالى: {وَقَالَتْ لاخْتِهِ قُصّيهِ} [القصص: 11] أي اتبعي أثره وقال تعالى: {فارتدا على ءاثَارِهِمَا قَصَصًا} [الكهف: 64] أي اتباعاً وإنما سميت الحكاية قصصاً لأن الذي يقص الحديث يذكر تلك القصة شيئاً فشيئاً كما يقال تلا القرآن إذا قرأه لأنه يتلو أي يتبع ما حفظ منه آية بعد آية والقصص في هذه الآية يحتمل أن يكون مصدراً بمعنى الاقتصاص يقال قص الحديث يقصه قصاً وقصصاً إذا طرده وساقه كما يقال أرسله يرسله إرسالاً ويجوز أن يكون من باب تسمية المفعول بالمصدر كقولك هذا قدرة الله تعالى أي مقدوره وهذا الكتاب علم فلان أي معلومه وهذا رجاؤنا أي مرجونا فإن حملناه على المصدر كان المعنى نقص عليك أحسن الاقتصاص، وعلى هذا التقدير فالحسن يعود إلى حسن البيان لا إلى القصة والمراد من هذا الحسن كون هذه الألفاظ فصيحة بالغة في الفصاحة إلى حد الإعجاز ألا ترى أن هذه القصة مذكورة في كتب التواريخ مع أن شيئاً منها لا يشابه هذه السورة في الفصاحة والبلاغة وإن حملناه على المفعول كان معنى كونه أحسن القصص لما فيه من العبر والنكت والحكم والعجائب التي ليست في غيرها فإن إحدى الفوائد التي في هذه القصة أنه لا دافع لقضاء الله تعالى ولا مانع من قدر الله تعالى وأنه تعالى إذا قضى للإنسان بخير ومكرمة فلو أن أهل العالم اجتمعوا عليه لم يقدروا على دفعه.
والفائدة الثانية: دلالتها على أن الحسد سبب للخذلان والنقصان.
والفائدة الثالثة: أن الصبر مفتاح الفرج كما في حق يعقوب عليه السلام فإنه لما صبر فاز بمقصوده، وكذلك في حق يوسف عليه السلام.
فأما قوله: {بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هذا القرءان} فالمعنى بوحينا إليك هذا القرآن، وهذا التقدير إن جعلنا ما مع الفعل بمنزلة المصدر.
ثم قال: {وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ} يريد من قبل أن نوحي إليك {لَمِنَ الغافلين} عن قصة يوسف وإخوته، لأنه عليه السلام إنما علم ذلك بالوحي، ومنهم من قال: المراد أنه كان من الغافلين عن الدين والشريعة قبل ذلك كما قال تعالى: {مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الكتاب وَلاَ الإيمان} [الشورى: 52].


{إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)}
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تقدير الآية: اذكر {إِذْ قَالَ يُوسُفُ} قال صاحب الكشاف: الصحيح أنه اسم عبراني، لأنه لو كان عربياً لانصرف لخلوه عن سبب آخر سوى التعريف، وقرأ بعضهم {يُوسُفَ} بكسر السين {وَيُوسُفَ} بفتحها. وأيضاً روى في يونس هذه اللغات الثلاث، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قيل من الكريم فقولوا الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام».
المسألة الثانية: قرأ ابن عامر {يا أبت} بفتح التاء في جميع القرآن، والباقون بكسر التاء.
أما الفتح فوجهه أنه كان في الأصل يا أبتاه على سبيل الندبة، فحذفت الألف والهاء.
وأما الكسر فأصله يا أبي، فحذفت الياء واكتفى بالكسرة عنها ثم أدخل هاء الوقف فقال: {يا أبت} ثم كثر استعماله حتى صار كأنه من نفس الكلمة فأدخلوا عليه الإضافة، وهذا قول ثعلب وابن الأنباري.
واعلم أن النحويين طولوا في هذه المسألة، ومن أراد كلامهم فليطالع كتبهم.
المسألة الثالثة: أن يوسف عليه السلام رأى في المنام أن أحد عشر كوكباً والشمس والقمر سجدت له، وكان له أحد عشر نفراً من الأخوة، ففسر الكواكب بالأخوة، والشمس والقمر بالأب والأم، والسجود بتواضعهم له ودخولهم تحت أمره، وإنما حملنا قوله: {لاِبِيهِ ياأبت إِنّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} على الرؤيا لوجهين:
الأول: أن الكواكب لا تسجد في الحقيقة، فوجب حمل هذا الكلام على الرؤيا.
والثاني: قول يعقوب عليه السلام: {لاَ تَقْصُصْ رُءيَاكَ على إِخْوَتِكَ} [يوسف: 5] وفي الآية سؤالات:
السؤال الأول: قوله: {رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ} فقوله: {ساجدين} لا يليق إلا بالعقلاء، والكواكب جمادات، فكيف جازت اللفظة المخصوصة بالعقلاء في حق الجمادات.
قلنا: إن جماعة من الفلاسفة الذين يزعمون أن الكواكب أحياء ناطقة احتجوا بهذه الآية، وكذلك احتجوا بقوله تعالى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: 33] والجمع بالواو والنون مختص بالعقلاء.
وقال الواحدي: إنه تعالى لما وصفها بالسجود صارت كأنها تعقل، فأخبر عنها كما يخبر عمن يعقل كما قال في صفة الأصنام {وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} [الأعراف: 198] وكما في قوله: {يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم} [النمل: 18].
السؤال الثاني: قال: {إِنّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا والشمس والقمر} ثم أعاد لفظ الرؤيا مرة ثانية، وقال: {رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ} فما الفائدة في هذا التكرير؟
الجواب: قال القفال رحمه الله: ذكر الرؤية الأولى لتدل على أنه شاهد الكواكب والشمس والقمر، والثانية لتدل على مشاهدة كونها ساجدة له، وقال بعضهم: إنه لما قال: {إِنّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا والشمس والقمر} فكأنه قيل له: كيف رأيت؟ فقال: رأيتهم لي ساجدين، وقال آخرون: يجوز أن يكون أحدهما من الرؤية والآخر من الرؤية، وهذا القائل لم يبين أن أيهما يحمل على الرؤيا وأيهما الرؤيا فذكر قولاً مجملاً غير مبين.
السؤال الثالث: لم أخر الشمس والقمر؟
قلنا: أخرهما لفضلهما على الكواكب، لأن التخصيص بالذكر يدل على مزيد الشرف كما في قوله: {وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وميكال} [البقرة: 98].
السؤال الرابع: المراد بالسجود نفس السجود أو التواضع كما في قوله:
ترى الأكم فيه سجداً للحوافر ***
قلنا: كلاهما محتمل، والأصل في الكلام حمله على حقيقته ولا مانع أن يرى في المنام أن الشمس والقمر والكواكب سجدت له.
السؤال الخامس: متى رأى يوسف عليه السلام هذه الرؤيا؟
قلنا: لا شك أنه رآها حال الصغر، فأما ذلك الزمان بعينه فلا يعلم إلا بالأخبار.
قال وهب: رأى يوسف عليه السلام وهو ابن سبع سنين أن إحدى عشرة عصاً طوالاً كانت مركوزة في الأرض كهيئة الدائرة وإذا عصا صغيرة وثبت عليها حتى ابتلعتها فذكر ذلك لأبيه فقال إياك أن تذكر هذا لأخوتك ثم رأى وهو ابن ثنتي عشرة سنة الشمس والقمر والكواكب تسجد له فقصها على أبيه فقال لا تذكرها لهم فيكيدوا لك كيداً. وقيل: كان بين رؤيا يوسف ومصير أخوته إليه أربعون سنة وقيل: ثمانون سنة.
واعلم أن الحكماء يقولون إن الرؤيا الرديئة يظهر تعبيرها عن قريب، والرؤيا الجيدة إنما يظهر تعبيرها بعد حين.
قالوا: والسبب في ذلك أن رحمة الله تقتضي أن لا يحصل الإعلام بوصول الشر إلا عند قرب وصوله حتى يكون الحزن والغم أقل، وأما الإعلام بالخير فإنه يحصل متقدماً على ظهوره بزمان طويل حتى تكون البهجة الحاصلة بسبب توقع حصول ذلك الخير أكثر وأتم.
السؤال السادس: قال بعضهم: المراد من الشمس والقمر أبوه وخالته فما السبب فيه؟
قلنا: إنما قالوا ذلك من حيث ورد في الخبر أن والدته توفيت وما دخلت عليه حال ما كان بمصر قالوا: ولو كان المراد من الشمس والقمر أباه وأمه لما ماتت لأن رؤيا الأنبياء عليهم السلام لابد وأن تكون وحياً وهذه الحجة غير قوية لأن يوسف عليه السلام ما كان في ذلك الوقت من الأنبياء.
السؤال السابع: وما تلك الكواكب؟
قلنا: روى صاحب الكشاف أن يهودياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أخبرني عن النجوم التي رآهن يوسف فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل جبريل عليه السلام وأخبره بذلك فقال عليه الصلاة والسلام لليهودي: «إن أخبرتك هل تسلم» قال نعم قال: «جربان والطارق والذيال وقابس وعمودان والفليق والمصبح والضروح والفرغ ووثاب وذو الكتفين رآها يوسف والشمس والقمر نزلت من السماء وسجدت له» فقال اليهودي: أي والله إنها لأسماؤها.
واعلم أن كثيراً من هذه الأسماء غير مذكور في الكتب المصنفة في صورة الكواكب والله أعلم بحقيقة الحال.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8